الأحد، 9 سبتمبر 2018

أفضل وقت للطلاق

أفضل وقت للطلاق ؟
.
. ربما البعض يستغرب من هذا العنوان ولكني لاحظت أثناء حديثي مع من يرغب بالطلاق بأنه لم يختار الوقت الصحيح للطلاق ، وأنه مستعجل في فك الرباط الزوجي من غير أن يكون قد بذل جميع الأسباب لعلاج المشكلة التي يعاني منها ، فصار الطلاق سمة لهذا العصر ، ولعل استغراب القارئ لعنوان هذا المقال لأنه يظن أن الطلاق لا وقت له ، وإنما هو قرار يصل إليه أحد الزوجين عند اقتناعه باستحالة استمرار الحياة مع الطرف الآخر ، ولكن الموضوع لا ينظر إليه بهذه الطريقة ،
فالإسلام عندما شرع الطلاق فإنه شرع ما يتوافق مع الفطرة السليمة حتى لا تتحول الحياة الزوجية إلي الجحيم ، والطلاق هو قسم من ثلاث أقسام للتفريق بين الزوجين ، فالقسم الأول في حالة الوفاة والقسم الثاني هو الطلاق والقسم الثالث في حالة فسخ العقد ، وكل حالة من هذه الأقسام الثلاثة لها أحكامها وشروطها في الفقه الإسلامي ، ولكن الذي يهمنا بهذا المقال هو موضوع (الطلاق) ، ولعل المتأمل في القرآ ن الكريم يلاحظ عدة أمور في شأن الطلاق ،


أولا : أن القرآن لا توجد فيها سورة باسم (الزواج) بينما لأهمية الطلاق وخطورته سمى إحدى سوره (بسورة الطلاق) في الجزء 28 ،
ثانيا : أن القرآن لم يفصل كثيرا في أحكام الزواج بقدر تفصيله في أحكام الطلاق ، فعلى سبيل المثال أن الشهود ذكروا بوضوح في حالة الطلاق ولم يذكروا بنفس الوضوح في حالة الزواج ، أما وجود الولي في الزواج فلم يذكر صراحة في القرآن بينما ذكر في السنة بصريح العبارة ،
ثالثا : إن الألفاظ التي استخدمها القرآن في الطلاق الفاظ جمالية مثل (فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا) فتلاحظ هنا ثلاثة الفاظ جمالية وهي : لفظ التمتع والتسريح والجميل ، وكذلك الآية الآخرى (فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) و (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) فقدم الله الإمساك علي الفراق لأنه الأقرب إلي رضى الله تعالى ،
وجمال كلمة (الإمساك) أنها لا تعنى فقط الإستبقاء وإنما تفيد الحرص الشديد وعدم التفريط ، ومن معانى (الإمساك) فتح صفحة جديدة في العلاقة الزوجية واستمرار المحاولات للإمساك ، وكذلك في كلمة (الإحسان) فيها جمال يفيد التعفف والتعالي عن كل ما هو غير حسن ، فيكون (التسريح بإحسان) وليس التسريح بغضب أو تهديد أو انتقام أو ضرب أو ايقاف المال أو المحاربة بسلاح الأطفال أو تشويه السمعة أو الكذب والإحتيال وهو ما نعيشه اليوم في قضايا الطلاق ، وهذه كلها مخالفة لجماليات الطلاق في القرآن والحكمة من تشريعه
فالقرآن وصف العلاقة الزوجية ب (ميثاقا غليظا) ، والوثاق هو الحبل الذي يربط فيه الأسير بشده ، وكأن القرآن يقول لنا أربطوا زواجكم بقوة ولا تفكوه أبدا وأبذلوا كل الجهود من أجل استمرار الحياة الزوجية
ولهذا أول سؤال أطرحه علي كل من لديه الرغبة بالطلاق هو : هل بذلتم كل جهد للإصلاح ؟ وهل صبرتم علي تحديات الإصلاح أم لا ؟ فإذا كان الجواب (نعم) فيكون هذا هو الوقت الصحيح للطلاق ، وإذا كان الجواب (لا) وما زال في النفس خواطر أو تذبذب فيكون هذا هو الوقت الخاطئ للطلاق ، ولو وقع الطلاق فسيندم من يسعى للطلاق بعد حين أو يعيش بتأنيب الضمير ، لأنه لم يستنفذ كافة الوسائل للإصلاح ، رابعا : من يتأمل (سورة الطلاق) في القرآن يلاحظ أن عدد آياتها 12 آية ، وأن أول 6 آيات تتحدث عن الطلاق والآيات ال 6 الأخيرة تتحدث عن انهيار الأمم والحضارات ، وكأن في ذلك رسالة علي أن إحدى طرق تفكك المجتمع وسقوط الحضارات عدم الإهتمام بالأسرة وحصول الطلاق السريع أو الطلاق الغير مدروس ، خامسا : من يتأمل آيات الطلاق في القرآن فإنها ركزت علي الزوجين فقط ، ولم تذكر الأبناء وذلك لأن الأصل في العلاقة الزوجية هما الزوجان ، فلو كنا نطبق المنهج القرآني في جماليات الطلاق التي ذكرناها لما وجدنا الدمار التربوي والنفسي الذي نشاهده في أبناء المطلقين اليوم ، وكم مرة سمعت عبارة (أنا مستعد أن أضحى من أجل أبنائي) وأنا أقول لهم نحن لا نريد منكم أن تضحون من أجل أبنائكم فيكونوا أبنائكم ضحية تضحيتكم ، بل أنتم ينبغي أن تعيشوا من أجل أبنائكم حتى يعيشوا أصحاء ، سواء استمر الزواج أم حدث الفراق بالموت أو الطلاق أو الفسخ ، فالله لم يخلقنا من أجل أبنائنا وإنما خلقنا نحن وأبنائنا من أجل عبادته عبادة صحيحة وسليمة ، وهذا يتطلب وجود أسرة مستقرة صحيا أو مطلقة صحيا بمنهنج الإحسان كما وصف القرآن ، لأن تربية الأبناء ليست رحلة ترفيهية أو كتابة رواية تربوية ، وإنما تتطلب عمل طوال 24 ساعة لمدة 7 أيام وعلي الأقل لمدة 20 سنة ، فهي أصعب مهمة وأكثر عمل فيه مشقة في العالم لأن أبنائنا هو رسالتنا التي نرسلها لقيادة المستقبل
وفي نهاية المقال نقول إن الجواب علي السؤال بأفضل وقت للطلاق ، يعتمد علي معنى الوقت ، فلو كان تفسير معنى الوقت أي التوقيت باليوم والساعة ، فإن أفضل وقت للطلاق يكون بعد طهر لما يجامع الزوج فيه زوجته ، أما لو كان المقصود بالوقت طبيعة العلاقة بين الزوجين ، فيكون أفضل وقت بعد استنفاذ جميع وسائل الإصلاح




وأخيرا أرجو أن ينال الموضوع إعجابكم وإلى تدوينة جديدة بحول الله أستودعكم الله